بقلم الدكتور آصف ملحم*
انتهت فعاليات منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي بتاريخ 18 حزيران الجاري، الذي انطلق بتاريخ 15 حزيران، وكان حوار الأعمال الإيراني-الروسي من أهم حلقاته الحوارية، التي تسنى لي حضورها شخصياً والاستماع إلى مداخلات المتحدثين فيها من الجانبين الروسي والإيراني، في ثاني أيام المنتدى. لاقت هذه الحلقة الحوارية حضوراً متميزاً واهتماماً كبيراً؛ فالسفير الإيراني في روسيا، كاظم جمالي، كان من أبرز المتحدثين فيها.
لن نخوض طويلاً في تاريخ العلاقات الإيرانية-الروسية؛ لأنني أعتقد أن المتابع للموضوع يعلم أن روسيا وإيران ترتبطان بعلاقات سياسية-اقتصادية متينة، كما أن مصالح البلدين تتقاطع في العديد من الأماكن في العالم وفي العدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، بل سأركز على أهم النقاط العملانية التي تناولها المشاركون.
كان ممر الشحن الدولي (شمال-جنوب) من أهم المحاور التي تمت مناقشتها؛ إذ أن هذا الطريق سيربط روسيا وإيران والهند، وسيساعد على اختصار الوقت في نقل البضائع بين إيران والهند من جهة و روسيا من جهة ثانية. وتحتل إيران موقعاً مركزياً في هذا المشروع العملاق، فطول الطريق ضمن إيران يصل إلى حوالي 1300 كيلومتراً، وهي المسافة بين ميناء بندر-عباس والعاصمة طهران. و هنا تجدر الإشارة إلى أنه يتم تطوير عدة ممرات بحرية في بحر قزوين، عبر الموانيء الروسية (محج قلعه، أوليا، أسترخان) وكذلك عبر موانيء جمهوريات آسيا الوسطى والقفقاز (باكو، آكتاو)، إضافةً إلى ممرين بريين عبر القفقاز وآسيا الوسطى.
تشير التقديرات إلى أن السفن العابرة من ميناء بندر-عباس إلى ميناء سان بطرسبورغ عبر قناة السويس تستغرق حوالي 30-35 يوماً، في حين تستغرق السفن العابرة من ميناء مومباي الهندي إلى ميناء سان بطرسبورغ أيضاً حوالي 43-45 يوماً، في حين أن عبور البضائع مباشرةً عبر الطريق مومباي-بندر عباس-سان بطرسبورغ سيؤدي إلى تقليص الزمن إلى حوالي 12-14 يوماً، من هنا ندرك الأهمية الكبيرة لهذا الممر الاستراتيجي.
كما تناول المتحدثون ميناء أسترخان ومقاطعة أسترخان، والتي هي جزء هام من الممر الدولي (شمال-جنوب)، حيث أشار السفير الإيراني إلى أن أسترخان هي بوابة إيران إلى روسيا. وأضاف السيد كاظم جمالي إلى أن رئيس جمهورية كالميكيا، السيد باتو خاسيكوف، اقترح مشروعاً مشابهاً لميناء أسترخان في كالميكيا بالتعاون مع الجمهورية الإسلامية، وهذا سيعزز التبادل التجاري بين البلدين.
في هذا السياق، أشار حاكم مقاطعة أسترخان، السيد إيغور بابوشكين، إلى أن هناك أكثر من 120 شركة عاملة في المقاطعة بمشاركة مالية إيرانية مباشرة. وأضاف إلى أن الحكومة الروسية، في نهاية شهر أيار، اتخذت قراراً بضرورة زيادة الطاقة التمريرية للقناة التي تربط نهر الفولغا ببحر قزوين؛ فطاقة هذه القناة حالياً لا تتجاوز 16 مليون طناً سنوياً، ولزيادة هذه الطاقة لابد من زيادة عمق القناة في بعض المناطق، وهذا سينعكس إيجاباً على حركة التبادل التجاري بين مينائي أميرآباد الإيراني و أسترخان الروسي.
فضلاً عن ذلك، ركّز السيد باتو خاسيكوف في مداخلته على التعاون الكبير بين إيران وروسيا في العديد من المجالات، كالتعليم والزراعة والثقافة والرياضة. وأشار إلى وجود العديد من الطلبة الإيرانيين، الذي يدرسون في جامعة كالميكيا الحكومية في مختلف التخصصات. كما أشار آخرون إلى وجود العديد من مشاريع التعاون الحيوية الهامة بين روسيا وإيران في مجالات الزراعة وتربية الحيوان وصناعة الأدوية والطب وتكنولوجيا المواد الجديدة والبحث العلمي.
من ناحية أخرى، أشار السيد علي رضا بيمان-باك، رئيس منظمة تنمية التجارة الإيرانية، في خطابه إلى أنه تم توقيع إتفاقية بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم أرمينيا و بيلاروسيا و كازاخستان و قيرقيزستان و روسيا، بهدف إنشاء منطقة تجارة حرة. من المتوقع أن ينتهي هذا المشروع في نهاية عام 2022، وهذا سيترك أثراً إيجابياً كبيراً على حركة المنتجات بين هذه البلدان، ويسهم في التعرف على الإمكانيات الزراعية-الصناعية الكبيرة في كل دولة.
أشار بعض المتحدثين أيضاً، إلى المعوقات والتحديات التي تواجهها العلاقات الإيرانية-الروسية، كاللوجستيات والتخليص الجمركي وجهل بعض المستثمرين من الطرفين بالإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي يتمتع بها البلدان؛ لذلك فإن تبادل الوفود وتشكيل اللجان المشتركة وإقامة المؤتمرات والمنتديات سيعزز من فرص التقارب ويوطد العلاقات وسيساعد في التغلب على التحديات والقضاء على المعوقات.
من نافلة القول، مرت العلاقات الإيرانية-الروسية بالكثير من المراحل الهامة؛ لذلك فالخبرات المتراكمة عند الطرفين ستساعد في حل جميع المشكلات التي تعيق تطورها الديناميكي المستمر؛ فما الأفكار التي تم تناولها في حوار الأعمال هذا سوى غيض من فيض مما يمكن الحديث عنه في هذا المجال. و الآن تدخل هذه العلاقات، على خلفية الاستقطاب بين الغرب و الشرق، مرحلة جديدة من التقارب لم تعهدها منذ سنوات، لذلك لا بد من استثمار هذه المرحلة لتمتين أواصر الصداقة بين البلدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور آصف ملحم – مدير مركز جي إس إم للأبحاث و الدراسات (موسكو).
*تم نشر هذا التقرير أولاً في وكالة أنباء فارس بتاريخ 26 حزيران 2022،
للإطلاع عليه انقر هنا.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً