بقلم الأستاذ عبدالسلام غالب العامري*
أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل يومَ الجمعة 24 مايو / أيار 2024 بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وانسحاب قواتها من هناك. تضمّن قرار محكمة العدل الدولية بأنه يتعيّن على إسرائيل الوقف الفوري لهجومها العسكري على مدينة رفح في قطاع غزة، وفتح المعبر لدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، كذلك ضمان وصول أيّ لجنة تحقيق أو تقصّي حقائق بشأن تهمة الإبادة الجماعية. وقد استحوذ القرار على اهتمام الصحف العالمية والعربية؛ فعنونت كثير من الصحف افتتاحياتها بقرار المحكمة.
تعدّ قرارات محكمة العدل الدولية مُلزِمة لجميع الدول الأطراف، وهي نهائية ولا يجوز الطعن فيها، ويمكن اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي في حالة عدم قيام دولة إسرائيل بالالتزام بها. وقد اعتبرت السلطات الإسرائيلية أنّ “الاتّهاماتِ التي وجهتها جنوب إفريقيا لإسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الإبادة الجماعية كاذبةٌ ومشينة ومثيرة للاشمئزاز”؛ فإسرائيل تدّعي أنها لم ولن تنفّذ حملة عسكرية في منطقة رفح تخلق ظروفاً معيشية يمكن أن تؤدي إلى هلاك السكان المدنيين الفلسطينيين كلياً أو جزئياً.
طالبت المقاومة الفلسطنية في بيان لها العمل على تنفيذ قرارات المحكمة وعدم تسويفها بما يعفي إسرائيل من مسؤولياتها. كما دعت المقاومة الفلسطنية إلى العمل على انسحاب الجيش الإسرائيلي من معبر رفح وإعادة تشغيله باعتباره فلسطينياً مصرياً خالصاً، وقالت: “إن حاجاتِ الشعب الفلسطيني لفتح كل المعابر- بما فيها معبر رفح- مُلحّةٌ في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية”، وقالت: “إنّ عليها تقديمَ تقرير بالإجراءات المتخذة في غضون شهر”.
قابلت إسرائيل القرار بالتحدي والسخرية، فشنّ الاحتلال سلسلة غارات غير مسبوقة على مدينة رفح جوّاً وبرّاً وبحراً؛ وكأنه يردّ على قرار المحكمة الدولية ويسخر من طلباتها. غير أن هذا لا يعني أن هذا العدو لايزال يتمتع بالحصانة ذاتها التي كان يتمتع بها قبل معركة طوفان الأقصى، والتي ظلّ يتمتع بها بعد الطوفان حتى يومنا هذا، قبل أن يجد هذا الكيان نفسه -رغم غطرسته ورغم الدعم الأمريكي اللامحدود- في موقف محرج على مختلف الصعد الداخلية والإقليمية والدولية. هذا الأمر صاعد الأزمة الوجودية بين أركان سلطة الكيان، وبين السلطة والمعارضة، وبين المجتمع الصهيوني والسلطة بسبب الأسرى والمظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة. هذا يعني نهاية عهد نتنياهو، الذي اتّخذ من العدوان على قطاع غزة ذريعة للهروب من استحقاقات، يجزم الخبراءُ بالشأن الصهيوني والمحللون بأنها ستقود نتنياهو وكبار الجنرالات إلى السجن!
لكن حلفاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ستقف بكل الوسائل والأدوات، كما ستتخذ قصارى جهدها لتقديم أفضل دعم سياسي للكيان الإسرائيلي، وذلك بإفشال صدور أي قرار من المحكمة أو مجلس الأمن، يُلزم «إسرائيل» بضرورة وقف الإبادة الجماعية واحتلال أراضي فلسطين وأعمال العنف ضد الشعب الفلسطيني، أو إفشال أي قرار يدين «إسرائيل» باستخدام القوة المفرطة ضد الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره والمتمسك بأرضة ووطنه.
قبل النطق بالحكم، قال رئيس محكمة العدل الدولية القاضي اللبناني نواف سلام: “إن الظروف المعيشية لسكان غزة تتدهور والوضع الإنساني بات كارثياً”، مشيراً إلى أنّ “الوضع الإنساني في رفح تدهور أكثر منذ أمر المحكمة الأخير”، وأضاف: “إن نحو مليون ونصف شخص نزحوا من رفح إلى الشمال، ومن الشمال إلى الجنوب، ومن الشمال إلى الوسط، منذ بدء الهجوم البري في 7 مايو 2024”.
تعتبر المحكمة الهجوم العسكري في رفح تطوراً خطيراً يزيد من معاناة السكان، وأوضحت المحكمة أنه “للحفاظ على الأدلة، على إسرائيل اتخاذ التدابير اللازمة لضمان وصول المحققين دون عوائق إلى غزة”. و لكن يؤكد محللون ومتخصصون في القانون الدولي أنه لا يوجد آليات تجبر إسرائيل على تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية الأخير، كما أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبها دائماً وأبداً وستعطل أي قرارات ضدها في مجلس الأمن.
ومع مواصلة ارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة لما يقارب العام، صعّدت إسرائيل من عدوانها على لبنان، فكثّفت غاراتها الجوية على البلدات اللبنانية وبدأت بالغزو البريّ. لقد عكس عدوان إسرائيل على لبنان سياساتها في غزّة، والتي كان أبرزها: نشر الأكاذيب والدعايات المغلوطة بأن الأنفاق تقع تحت المشافي والمدارس والمساجد، فقصفت المشافي والمدارس والمساجد والبنية التحتية في قطاع غزة. واليوم تكرر نفس الممارسات في لبنان، من تشويه لصورة المقاومة، وتهجير السكان قسراً من خلال أوامر الإخلاء غير القانونية، والقصف الجماعي للمدنيين، والتدمير الشامل للمنازل ومسح المربعات السكنية، بدعم سياسي وعسكري من حلفاء إسرائيل، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية؛ عن طريق تقديم الأسلحة المختلفة والفتاكة ونصب مضادات الصواريخ (باتريوت، القبة الحديدية، مقلاع داواد، و أخيراً ثاد) لحماية إسرائيل من صواريخ إيران وحزب الله.
لقد أضحت هذه الحرب اختباراً أسقط أقنعة دول كبرى، لطالما رفعت شعار العدالة واحترام حقوق الإنسان، ولكن الواقع كشف زيف ادعاءاتهم، حينما تركت تلك الدول الاحتلال الإسرائيلي يعيث في الأرض فساداً، قتلاً وتدميراً وانتهاكاً وخراباً وحرق الأخضر واليابس وتدمير الحجر والشجر وحصار المعابر والمنافذ وقطع الخدمات الضرورية (الكهرباء والإنترنت والماء وخلط المياه بالصرف الصحي) وانتشار الأمراض والأوبئة سواء في قطاع غزة أو جنوب لبنان.
لقد تحركت بعض الدول وانضمت إلى جنوب إفريقيا بشأن رفع الدعوة في المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الإبادة الجماعية في(غزة)، ومن ضمن هذه الدول: مصر، الأردن، المكسيك، تركيا، ليبيا، بلجيكا، إيرلندا، كولومبيا، نيكاراجوا، المالديف، إسبانيا، بنجلاديش، تشيلي، وغيرها من الدول الحرة. إلا إن الولايات المتحدة الأمريكية مُسيطرة على كل القرارات التي تحكم العالم، في مجلس الأمن والأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، وهي التي تفرض العقوبات الاقتصادية والعسكرية حتى على الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، مثل الصين وروسيا، حتى أصبحت أمريكا وحلفاؤها متحكمين بالعالم، تحت شعار إما معنا أو ضدّنا.
لكن ظلت جنوب إفريقيا مصرّة على مواصلة جلسات المحكمة دون كلل أو ملل حتى تنفيذ القرار. تتهم جنوب إفريقيا إسرائيل بأنها انتهكت اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 في حربها على غزة، وسجّلت القضية ضد إسرائيل أمام المحكمة وأمام الدول الأعضاء وتطالب مجلس الأمن بتنفيذ القرارات دون اللجوء إلى المعايير المزدوجة أو الكيل بمكيالين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عبدالسلام غالب العامري – كاتب و شاعر، عضو الهيئة الثقافية اليمنية
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً