بقلم الأستاذ إدريس أحميد*
دخلت الأزمة الليبيّة عامها الثاني عشر ولم تتّضح ملامح الحل بعد. ليبيا التي استقلّت عام 1951 بقيادة الملك إدريس السنوسي وسبقت دولاً عربيةً بأشواط، وبدأت تسير خطوات نحو إرساء أسس الدولة بدستورها ونظامها السياسي الملكي.
جاء النظام الجمهوري بقيادة معمر القذافي عام 1969 بانقلاب أو ثورة استمرت 42 عاماً، شهدت فيها أحداثاً ومواقفَ داخلية وخارجية في بلد تعداد سكانه لم يتجاوز 5 ملايين نسمة، ويملك ثرواتٍ نفطيّة هائلة، تمّ توظيف بعضها لتحقيق طفرة تنمويّة، بدأت في أوائل السبعينات حتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي.
دخلت ليبيا في مخاض القومية العربية والوحدة العربية، التي خلقت خلافاتٍ وصراعاتٍ مع الدول العربية. بعد فشل التوجُّه القومي العربي، توجهت ليبيا نحو محيطها الإفريقي وأسهمت في قيام الاتّحاد الإفريقي في عام 1999.
جاءت ثورات الربيع العربي أو الفوضى الخلّاقة عامَ 2011، ولم تكن ليبيا استثناءً. تدخّل الناتو لحماية المدنيين عام 2011، وصل قطار أو موكب التحركات الشعبية إلى بعض المدن الليبية في شرق البلاد الذي كان قاعدة الانطلاق والقيادة، وانقسم الليبيون بين مؤيّد للنظام ومعارض وانتشر السلاح لدى المدنيين. تحرّك مجلس الأمن بدعم من الجامعة العربية التي طلبت التدخل لحماية المدنيين، وكان ذلك بعد صدور القرار 1973، 1970 في مارس 2011.
ما بعد إسقاط الدولة:
أعلن المجلس الانتقالي التحرير بتاريخ 20 أكتوبر 2011 كبداية لعهد جديد، ورفض طلب المكتب التنفيذي برئاسة الراحل محمد جبريل بحل التشكيلات المسلّحة بجميع توجهاتها وجمع أسلحتها، بل زاد عددها بما يسمى الدروع. ناهيك عن السلاح المنتشر في عموم البلاد، والمقدّر بحوالي 20 مليون قطعة سلاح.
أُجريت أول انتخابات للمؤتمر الوطني في 7 يوليو 2012، وانتخب 200 عضوٍ يمثّلون الإسلاميين والليبراليين والمستقلّين.
وفي الوقت الذي أمل فيه الليبيون في التوجّه نحو تأسيس نظام ديمقراطي وقوانين ومؤسسات لبناء البلاد، ظهرت خلافات وانقسامات ومغالطات داخل البرلمان، فُرضت قوانين تعزّز سيطرة أطراف معيّنة على مفاصل الدولة، لعل أهمها قانون “العزل السياسي”، الذي أسهم في زرع بذور الشقاق بين الثوار الذين التقوا على هدف واحد، وانتشر الفساد وهدر المال العام.
جاءت انتخابات البرلمان في 2014، والتي خسرها الإسلام السياسي، واندلع اقتتال بين الثوار ما يعرف بعملية فجر ليبيا 2014، والتي أدّت إلى إحراق المطار و20 طائرة، وحدث ذلك أمام أنظار المجتمع الدولي، وكانت القرارات الدولية بحق المعرقلين مجرد حبر على ورق.
الاتفاقات السياسية:
شهدت ليبيا اقتتالاً في شرق البلاد بين الجيش الوطني وبين تنظيمات إسلامية لمدة ثلاث سنوات من القتال الشديد، وقد استطاع الجيش الوطني القضاء عليها.
في عام 2019 شهدت العاصمة طرابلس قتالاً بين الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق، انتهت بتدخّلات خارجية بعد توقيع حكومة الوفاق مذكّرتي تفاهم عسكريّتين مع تركيا، إذ سُمح بانتشار مرتزقة أجانب من سورية وتواجد روسي لدعم الطرفين، وانتهت الحرب في أكتوبر 2020.
الأمم المتحدة ودورها:
وصل عدد المبعوثين الدوليين إلى ليبيا 8 مبعوثين في ظل انقسام الأطراف السياسية، ولعل أهم انجاز قام به المبعوث الأممي الألماني كوبلر هو الإشراف على اختيار حكومة الوفاق في اتفاق الصخيرات 2015. والمبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز هي الإشراف على اتفاق جنيف واختيار حكومة الوحدة الوطنية 2021.
الحكومات المتعاقبة:
شهدت ليبيا بعد عام 2011 تشكيل 6 حكومات وآخرها حكومة الوحدة الوطنية، لم تتمكن هذه الحكومات من تحقيق الاستقرار والتنمية، بسبب الانقسام وعمق الخلافات.
لا زال البرلمان في السلطة منذ 2014، ويقابله المجلس الأعلى للدولة الذي جاء بعد اتفاق الصخيرات كجهة استشارية، وتشكّل بطريقة انتقائية على أنقاض المؤتمر الوطني، والذي رفضه 94 عضواً معتبرين ذلك مخالفة للإعلان الدستوري.
تداعيات المراحل الانتقالية:
من الواضح أنّ الأزمة الليبية فقدت البوصلة بعد 12 عاماً من المراحل الانتقالية، بسبب غياب إحدى أهم المعطيات التي أوصلت البلاد للأزمات وأهمها:
–تعاني الأطراف السياسية والمجتمع من انعدام الثقة التي تمثّل أهم أسس المصالحة، حيث انتشر السلاح في مناطق وتشكيلات مسلحة، بما يعرف بالمدن المنتصرة.
–غياب الشارع الليبي عن قضاياه بسبب الإكراهات والأزمات المعيشية التي أُجبر عليها من الحكومات المتعاقبة.
–استقواء التشكيلات المسلحة على الحكومات التي تحاول كسب ودِّها وتدفع لها الأموال، مما يجعلها تستمر في سيطرتها وترفض تسليم سلاحها.
–فشل الأمم المتحدة والدول الكبرى في مساعدة الليبيين وتطبيق العقوبات بحقّ المعرقلين، مما جعل الليبيين يفقدون الثقة في المجتمع الدولي.
–التأييد الواضح من طرف أمريكا وبريطانيا لاستمرار الأوضاع من أجل خدمة مصالحها وأهمها ضخّ النفط والغاز.
–عدم احترام المؤسسات لبعضها، فنجد الحكومة لا تعترف بالبرلمان الذي منحها الثقة، وبذلك لا مجال لتنفيذ قراراته وتشريعاته.
آفاق الحل:
في ظل المتغيّرات الدولية والإقليمية وانشغال الدول الكبري بقضايا دولية وغياب التدخلات الخارجية، ليس أمام الليبيين إلا الاعتماد على أنفسهم من خلال التحرّك الشعبي والمطالبة برحيل الأطراف السياسية الجاثمة على صدورهم، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وازدياد معدّلات الفقر في دولة تعداد سكانها لم يتجاوز الـ 6 ملايين نسمة، فهذه هي الثورة الحقيقية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ إدريس أحميد – كاتب صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي و الدولي.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً