بقلم الأستاذ أيوب نصر*
في يوم 16/05/2025، حدثت في اسطنبول أول مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، بعد دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن لم ينتج عن تلك المفاوضات أيّ اختراق للأزمة ولم تتولّد عنها أيّ حلول، وبعدها جرى اتصال هاتفي، بين الرئيسين الأمريكي والروسي، لم يُحدِث شيئًا ولم يأتِ باختراق.
ما نتج عن كل هذا وذاك، اتّفاق أوروبي أمريكي بحلّ القيود المفروضة على الأسلحة الممنوحة إلى الطرف الأوكراني، وأكبر هجوم جوي روسي على أوكرانيا، استعملت فيه ما يقرب 300 طائرة من دون طيار، و70 صاروخًا، وتوغّل في مقاطعات دونييسك وسومي وخاركيف (مع العلم أنّ سوني وخاركيف هما خارج المناطق الأربع التي ضمّتها روسيا، ولهذا غرض سنأتي على بيانه).
ويوم الإثنين القادم (02/06/2025) سيلتقي الطرفان في اسنطبول لاستكمال المفاوضات، وذلك بعد أن جهّز الروس ورقة شروطهم لحلّ الأزمة، مع رفضهم تقديم نسخة منها إلى الجانب الأوكراني قبل اليوم المقرر للمفاوضات، فما دلالة ذلك؟؟ وما تأثير هذه الأحداث في مفاوضات الاثنين المقبل؟ وما هي السيناريوهات المحتملة؟
نظرة في الأحداث التي سبقت المفاوضات
بعد أيام من الجولة الأولى من مفاوضات اسطنبول كثّف الروس من عملياتهم العسكرية ودخلوا مجموعة من القرى والبلدات في أيام معدودات، وقاموا بأكبر هجوم جوي في تاريخ العملية العسكرية الخاصة، كما يحلو لهم تسميتها، ليأتي الردّ الغربي على هذا عسكريًّا وسياسيًّا، فأمّا عسكريًّا فكان بإعلان رفع القيود عن الأسلحة الممنوحة لكييف، وأمّا سياسيًّا فعن طريق إتهام الرئيس ترامب للرئيس بوتين بأنه مجنون، في إيحاء منه إلى أنّ الرئيس بوتين أخلف اتفاقًا ما اتّفقا عليه في الاتصال الهاتفي الذي جمع بينهما، كما هدّد بعقوبات جديدة على روسيا.
ولكن هل الذي حرّك الرئيس الأمريكي وحمله على كل هذا بعد عبارات الحب والوئام، هو التقدم العسكري في مقاطعة دونييسك والهجوم الجوي الكبير، أم أنّ هنالك علّةً أخرى هي التي حملت الرئيس الأمريكي على ردّ الفعل ذاك؟ وهل لهذه العلّة علاقة بالجولة الثانية من المفاوضات؟
الذي يجعلنا نستبعد أن يكون ردّ فعل الجانب الأمريكي وتغيّر نبرته راجع إلى الهجوم الجوي الروسي أو دخول القوات الروسية بلدات جديدة في دونييسك، عدة أمور:
أولاً: أنه كما سبق وذكرنا أنّ الجولة الأولى والاتصال بين الرئيسين الأمريكي والروسي لم يحدثا أي اختراق في الأزمة الأوكرانية
ثانياً: أنّ الروس من اليوم الأول يرفضون إجراء مفاوضات بعد وقف إطلاق النار، وهذا معلوم للإدارة الأمريكية
ثالثاً: في الأعراف العسكرية الجيش المنتصر لا يتوقف ولا يعود، وهذا وإن لم ينتبه له الرئيس الأمريكي فلا بدّ أن يكون أعضاء إدارته وفريقه منتبهون لذلك.
وهذه الأمور الثلاثة تجعل عامل المفاجأة الظاهر على الرئيس ترامب قد يكون منعدمًا، إذن ما علّة تفاجُئِه وتغيير نبرته حتى ذهب يهدد ويتوعد؟
القوات الروسية تقدمت في مقاطعتي خاركيف وسومي، وهذا التقدم له علاقة بالمفاوضات، وذلك أن الروس بدل أن يفاوضوا على المقاطعات الأربع التي ضموها، سيفاوضون فقط على أراضٍ أخرى في مقاطعات أخرى، وهذا الذي أغضب الرئيس الأمريكي.
السيناريوهات المحتملة للجولة الثانية
الأول: أن الوفد الأوكراني سيتفاجَأ بالشروط الروسية (وعلى رأسها أراضي سومي وخاركيف) وسيحملها ويعود لكييف لأجل التشاور، وهذا الراجح عندي، وهكذا لن تقدّم هذه الجولة أي اختراق للأزمة.
الثاني: أن الجانب الأوكراني سيوافق مبدئيًّا على ما تحملة ورقة الشروط الروسية، وسيبدأ مع الأوروبيين والأمريكيين في تحضير ورقة خاصة بهم تحفظ ماء وجه بقية الأطراف الثلاثة.
الثالث: رفض الشروط الروسية وهذا سيزيد من حدّة التصعيد على الجبهات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ أيوب نصر – باحث في العقائد والمدارس الفكرية والاستشراق، مختص في الشأن الأوراسي والعلاقات الدولية.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز JSM وإنما تعبّر عن رأي كاتبها حصراً