بقلم الدكتور عبدالله العبادي*
حين قرّر لينين إدخال الكهرباء إلى كل بيت سوفياتي، كتب ميخائيل زوشينكو، قصةً عنونها بالفقر، يحكي عن شقّته حين وصلتها الكهرباء، حيث ظهرَت مع الإضاءة الناصعة كل أرجاء البيت، وانكشف ما لم يكن يكشفه المصباح، فقر مدقع وقذارة في كل زوايا الغرف. ما إن تضغط على الزر، حتى ترى كل التفاصيل المزعجة، هناك سرير وفراش ممزق وأريكة كان يعتقد ميخائيل إنها جيّدة فانكشفت بطانتها وحشرات تهرول بعيداً وهي تحاول أن تنقذ نفسها من الضوء. أحزنه وأحرجه ما رأى، لذلك، فضّل العودة إلى المصباح الزيتي حتى يخفي الفقر الذي يعيشه وقال «أيها الأصدقاء! نور الكهرباء أمر جيّد، لكن الحياة تحت ضوئه ليست كذلك». أكيد أن البيت كان جميلاً يشبه ظلامه، لكن النور كشف كل عيوبه.
هكذا تحدث زوشينكو عن واقع معاش لم يكن يريده، فضّل العودة للظلام لينسى عيوب الضوء الساطع، لم يكن انهزامياً، لكنها كانت رسائل صريحة لسياسات عرجاء، أزعج من خلالها الساسة. رسائل مفادها أن المواطن ينتظر من الحكومة تغييرَ حاله وتحسينَ وضعه الاجتماعي ومنحه الأمل في غد أفضل. الإيديولوجيا والشعارات والوعود الانتخابية لم تغيّر من واقع المواطن البائس، ولم تفِ بشي مما وعدت، بل ازداد الوضع سوءاً تزامناً مع صراعات وأزمات عالمية.
منذ اندلاع انتفاضات الخراب العربي، لم يتغير شيء، عدة سنوات كانت كافية لإظهار كل عيوبنا العميقة، فقرنا السياسي وغياب مشاريع دولية، واستعداد تام لكل النخب بكل أطيافها، لإعادة إنتاج كل الأزمات التي أخرجت الناس للشوارع، حتى النخب المثقفة أخلفت وعدها للأسف.
انتشرت مظاهر الفساد والترقيعات المغشوشة والصراعات التافهة وإهمال كل قضايا المجتمع اليومية، صارت النخب الحديثة/القديمة، عاجزة عن إعادة بناء أجهزة الدولة وتحقيق سيادتها، كما فشلت في بناء ديمقراطية صلبة عبر إنشاء مؤسسات وهياكل دستورية مستقلة تحميها. نقطتان أفشلتا العمل المطلوب، الثقة الزائدة في الفعل السياسي الجديد في البناء الديمقراطي المنشود، واليقين بأنه لا يمكن العودة إلى الوراء، ونقطة ثانية تخص ركوب بعض الحركات موجةَ التغيير، منها الحركات الإسلامية.
لماذا فشلت كل الثورات في الوطن العربي؟ ببساطة لأنها لم تأتِ بجديد يذكر، لأنها حملت أسباب إجهاضها منذ ولادتها، وأعادت إنتاج كل أسباب الخضوع والاستبداد وحكم العسكر وأذيال الأنظمة القديمة.
كما أن غياب النضج السياسي للكثير من النخب، وغياب فهم واضح للمتغيرات الإقليمية والدولية، وفشلهم في إيجاد رؤية شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذا السياسية، جعل جلّ الدول العربية تدور في فلك مظلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبدالله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الأفريقية، مؤسس منصة تفكير عربي.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً